د. أسامة العمري : الراهن السياسي معقد ولايطاق ويجسد قمة أنانية النخب

389


حوار – سيف جامع
منذ أن قدم رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك استقالته في الأسبوع الأول من يناير الماضي برزت إلى السطح عشرات الأسماء تم ترشيحها لشغل منصب رئيس الوزراء.. القائمة ضمت رجالاً ونساء من داخل السودان أو سودانيين من الخارج، وجاء ترشيحهم عبر حواضن مختلفة ما بين منظمات مجتمع مدني وأحزاب سياسية وجماعات قبلية وغيرها من الروافع التي دفعت بترشيح هذا أو ذاك… (الحراك) بدأت في البحث والتنقيب عن جميع المرشحين وكان ان نشرت في وقت سابق حوارين مع مرشحين، واليوم تتواصل مسيرة البحث عبر حوار مع الدكتور أسامة العمري الذي تداولت مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي، أنباء عن ترشيحه لمنصب رئيس الوزراء.. (الحراك) نقبت مع د. أسامة دوافعه وسيرته وكان هذا الحوار.

بداية من هو أسامة العمري ، و ما موقعك في الراهن السياسي؟


شخصي د. أسامة العمري نشأت على حب السودان بحكم وظيفة الوالد ببعثة الأمم المتحدة السودانية بأمريكا ما جعل منزلنا قبلة للسياسيين، وأتاح لي ذلك معايشة عن قرب وأن أكون حاضراً وشاهداً ومستمعاً لجلسات رسمية وغير رسمية لهؤلاء الساسة مع والدي بأمريكا، وعند الإجازات بالسودان كانت اللقاءات مع الذين يجسدون كل الطيف الفكري والسياسي والاجتماعي والثقافي، فتمخضت هذه الزيارات لوالدي، إذ جعلتني أكثر قرباً وفهماً لهذا الشعب بتنوعه السياسي والاجتماعي..
إذن.. إلى أي الأحزاب السياسية انتميت فكرياً؟
لم أجد نفسي في حزب محدد بقدرما تولدت لدي قناعات راسخة أن أكون هادياً ونصيراً لهذا الإنسان السوداني الطيب الذي ورث البؤس وضنك الحياة في بلاد تزخر من فوقها وتحتها بالموارد المنهوبة، منها والمجهولة التي كانت كفيلة بأن تجعل أي سوداني أغنى (زول) في العالم.
ما زلت منتظراً إجابة محددة حول موقف العمري من الراهن؟
هذا الراهن المعقد لايطاق كونه يجسد قمة الأنانية والسلبيات التي طغت على الإيجابيات في الممارسة السياسية لكافة التنظيمات السياسية التي تتصدر المشهد السياسي اليوم، فإذا كانت ثورة ديسمبر نجحت ضد نظام الإنقاذ فإن الفشل الانتقالي يحسب أولاً على من تسيدوا المشهد السياسي في الحكومة الانتقالية لقصر وجهة نظرهم أولاً، ولعدم وجود برنامج جاهز من قبل هذه القوى لإدارة الفترة الانتقالية، وقد اعترفوا في ورشة التقييم التي نظمتها صحيفة (الديمقراطي)، لذلك فأنا كقيادي في منظمة مجتمع مدني بالداخل والخارج قرأت المشهد منذ فترة الإنقاذ بوجهها الفاسد والإقصائي، وفي الفترة الانتقالية بشقيها المدني أولاً والعسكري ثانياً لتترسخ في ذهني أخطاء متكررة أنتجت هذا الراهن المأزوم أمنياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً الذي يكتنف السودان اليوم، مضافاً لعلاقات خارجية تنعدم فيها الثقة المتبادلة وتفتقد المصداقية والإرادة وكل ذلك لا يفيد الشعب والدولة السودانية.
وكيف ترى أن تقوم هذه العلاقات الخارجية؟
رؤيتي أن تقوم أولاً العلاقات مع دول الجوار الإقليمي وفقاً لشراكات اقتصادية ومصالح تعود بالفوائد للدولة السودانية والشعب السوداني بصورة مباشرة، وتأتي تجارة الحدود إذا ماتم تنظيمها بصورة منهجية حتماً ستتحول كل الضغائن إلى مرافئ لإنتاج الفوائد والمصالح من خلال الموارد الاقتصادية المتواجدة أو المشتركة بيننا ودول الجوار…
ذكرت لفظ شراكات وضح أكثر؟؟؟
الشراكات دائماً تنشأ من خلال المصالح والثقة والرغبة الحقيقية بين السودان وهذه الدول وأعتقد أنموذج دولة جنوب السودان في التاريخ القريب المشترك معهم، يمكن بقليل من التروي تحويل أزمة أبيي الحدودية إلى شراكة اقتصادية من خلال منطقة أسواق حرة لاتحرسها إلا منظومة الأمن المحترفة. وكذا الحال مع الشقيقة مصر وإثيوبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى لن تستطيع هذه الدول أن تعيش دون استقرار السودان ولن تنهض دون نهضة السودان.
ومع ذلك واقع بائس؟
بكل أسف الواقع ناتج من قصور فكري سياسي وقبل ذلك في عدم إدارة التنوع الاجتماعي والثقافي.
في عدم إدارة التنوع تعني هنا أيضاً من أسباب الأزمة حالياً وتاريخياً منذ استقلال السودان؟
فشل السودانيين في إدارة التنوع انعكس في شكل العلاقة مابين الدولة والمواطن بمعنى عدم وجود فهم استراتيجي لامتصاص أي احتقان قد يحدث جراء احتكار السلطة اجتماعياً وثقافياً، ربما كان المبرر غداة الاستقلال (السودنة) مقبولاً نتيجة انحسار التعليم في فترة الاستعمار في مناطق حضرية محددة، ولكن عقب ثورة العولمة وثورة التكنولوجيا المربوطة بالمعارف وتصاعد المطالبة بالحقوق الأساسية للإنسان مع حق تقرير المصير والبحث عن علاقة واضحة بين الوطن الدولة والمواطن فهذا غير مقبول.
هل تمتلك توصيفاً أدق لجذور الأزمة السودانية؟؟؟
أضاع السودانيون خاصة المثقفين منهم من خلال تتظيماتهم يميناً ويساراً فرص إدارة التنوع الثقافي والاجتماعي والديني وانحسروا في تعاطي سياسي مركزي نرجسي، يعكس تطلعات أفندية سياسيين على حساب حقوق مواطنين آخرين ضاعت باللامبالاة والتقديرات الثقافية والتقاليد الاجتماعية الموروثة البالية التي تنضح بالتعالي الأجوف، حتى خرج مثقفو الهامش من التنظيمات السياسية الفكرية إلى حركات ضغط من ثقافية سياسية إلى حركات مسلحة تنخر في التكوين الهش للدولة..
وهل ترى ردة الفعل لحمل السلاح مشروعة لقوى الهامش السياسية؟
بكل أسف انسداد الأفق الفكري السياسي جعل الأخطاء ونتيجتها تتسيد المشهد السوداني مضافاً لعدم وجود منظمات مدنية فاعلة، تستبق الأحداث وترفد الساحة السياسية بمشروعات حلول للتعقيدات السياسية المتناسلة منذ الاستقلال وإلى اليوم..
هناك منظمات ومراكز مجتمع مدني بدليل أنك الآن من المرشحين لرئاسة الوزراء عبر هذه المنظمات؟
إن وجدت منظمات أو مراكز بحثية استراتيجية بكل أسف موجهة سياسياً في الخفاء لن أبرئ نفسي من التعاطي (بكسل)، أو الانغماس في الدعم المباشر الخيري للفئات الأضعف اجتماعياً واقتصادياً التي تعيش في ظل العدم والتعفف، حالات مرت بنا تجعلك تتمنى باطن الأرض من ظاهرها .
بقولك هذا قللت من تعاطيك مع الواقع السياسي المأزوم؟
إلى حد ما حتى وجودي بالخارج وهو الأكثر كان اهتماماً بجلب الدعم الخيري لهذه الفئات، ولكن هي التي جعلتني أنتقل أو متلازماً بحثاً عن الحلول المعقدة للأزمة السودانية اقتصادياً وسياسياً، وكان ذلك واضحاً في دستور المنظمة من صيغ الأهداف المضمنة فيه.
وهذه الإجابة تجعلنا نسألك باختصار حول رؤية منهجية بأقصر طرق الحلول لهذه الأزمة؟
الحلول للأزمة السودانية باتت معقدة اجتماعياً وجهوياً بالتالي لابد من دستور يحمل سمات فدرالية حقيقية شبيه بدستور الولايات المتحدة الأمريكية، ذلك أن الشعب السوداني وصل من التأزيم السياسي باتت الحلول الموضوعية تأتي أفقياً لا رأسياً، ومن ثم تقوم الولايات بتصعيد منسوبيها للاتحاد الفدرالي من خلال مجلس تشريعي وفقاً للكثافة السكانية ذلك يجنبنا كثرة تناسل التتظيمات السياسية.
وكيف سيكون نظام الحكم؟
على المستوى الاتحادي حالياً لو صدقت النوايا يتم تكوين حكومة انتقالية هدفها الأول صناعة دستور والهدف الثاني التأسيس لوضع سياسي خالٍ من الفساد وفي ذلك مفترض نستفيد من الجامعات السودانية التي تعج بعلماء القانون، وثانياً توظيف الشباب الأنقياء الذين يقدمون أرواحهم بغية تحقيق حلم دولة القانون التي تجعل السودان في ريادة الدول، وفي ذلك يجب الاعتماد على الشباب الثوري النقي الخالي من عيوب التنظيمات في الإقصاء وإخفاء عناصر الفساد بداخلها والعمل المؤسسي والأخلاقي القيمي المستمد من أخلاقيات وقيم الشعب السوداني.
هل تراهن في حل الأزمة من خلال تلك الخطوات فقط؟
لو رجعت للوراء في حوارنا إني ذكرت أنموذج حكومة الولايات المتحدة في إطار مبدأ اللامركزية… الولايات المتحدة السودانية التي تنسف المركزية الضارة منذ استقلال السودان ولم تنجح تجارب الحكم الإقليمي في زمن نميري والولايات في زمن الإنقاذ، ذلك نابع من قصور النخب التي بالخرطوم، ثانياً تجارب الدول المتقدمة في محاصرة الفساد في ترسيخ الشفافية وجعلها برنامجاً حتى في المدارس، ذلك لأن السودان اليوم أحياناً مجتمعياً صار الفاسد له حاضنة اجتماعية وسياسية، وهو رجل دولة فكيف يستقيم أمر السودان وندعي أننا مخلصون في تأسيس دولة والفساد ينخر في الدولة والمجتمع
وهل لديك برنامج جاهز للتتفيذ؟
بالطبع سنعتمد على صناعة دستور تنبثق منه لوائح غايتها محاصرة الفساد وسوف نذهب للتعبئة المنهجية الإعلامية في تنوير المجتمع السوداني، وكيفية وضعه في إطار مسؤولياته الحتمية للحفاظ على دولته من غول الفساد. وسنسعى مع الدول المتقدمة لمساعدتنا في محاصرة ولجم الفساد، ونأخذ تجارب دول عديدة في محيطنا الإقليمي والدولي لندمجه مع موروثاتنا القيمية الدينية والثقافية التي تلفظ الفساد.
ربما لن يقتنع الشعب السوداني برؤيتك؟
هذا عصر الشعوب الحرة خاصة ذات التاريخ التليد كالشعب السوداني لذا أقول لهم يقع على عاتقكم تصحيح مسار الدولة السودانية، من خلال الاختيار الذي يجسد أشواقكم في حياة حرة كريمة اختيار دون مجاملة جهوية أو قبلية ذلك أن ما أفسد العمل السياسي هو المجاملة، في غض الطرف عن الفاسد كونه (ابننا) وكل الناس بتاكل.
هذا الشعب يمضي الآن خلف نخب سياسية ربما تعارض رؤيتك؟
نقول للنخب والتنظيمات السياسية ستصبحون يوماً على أشلاء وطن لن يستطيع أحد رتقه اجتماعياً ولملمته جغرافياً مالم تكون المصلحة الوطنية هي الأعلى سقفاً من كل طموح، وبما أننا مستقلون سياسياً فالأوفق للوطن حالياً الاتفاق على برنامج عبر أهداف وبرامج واقعية، تضع الجميع أمام مسؤوليات تاريخية للعبور بالوطن من هذه الأزمة التي قاب قوسين أو أدنى من السقوط في الهاوية.
الآن هناك عنصر لا يمكن التغاضي عنه وهو عنصر الشارع ولجان المقاومة ترى كيف تخطط للتعامل مع هؤلاء حال اختيارك رئيساً للوزراء؟
أقول لهم كل من يريد فصلكم عن القوى السياسية بصورة الإقصاء ولفظ الآخر في عدم التعامل والتنسيق معه، فذاك الذي يبحث عن (القاصية) فاحذروا فالثورة تراكمية وكل الشعب السوداني له بصمات فيها من خلال المواعين السياسية والفكرية التي ارتضاها، ومع ذلك فإن الدور المتعاظم لكم هو الذي جعل الثورة حية ونضع خبراتنا وعلاقتنا الدولية والإقليمية بين أيديكم لنذهب معاً لتحقيق نهضة السودان..
هل تتفق معهم في أن لا شراكة مع العسكر؟
رسالتنا للقوات المسلحة أو النظامية ككل هي أن حفظ الوطن يتجسد في عدم الدخول في تحديد هوية المجتمع السوداني، وترك ذلك للدستور الذي أجازه والتمسك في الحفاظ على الموارد الاقتصادية في وقف التهريب والسعي لوقف كل أشكال العنف القبلي بالحياد الكامل، وقف كل أطر التجنيد خارج إطار المؤسسات النظامية وحماية الوضع الدستوري الذي ارتضاه الشعب أياً كان توجهه، وتنظيف الجسم العسكري من كافة أصحاب التوجه السياسي والالتزام بالتوجه القومي في كافة تحركات القوات العسكرية، وأن تكون التعبئة العامة حال وجود مخاطر خارجية لسند القوات وفقاً للتقديرات العسكرية، وأن تكون هناك ميزانية ملزمة من الدولة غير الفصل الأول في المرتبات في التأهيل والتدريب وشراء المعدات العسكرية المتطورة ، مع عدم تدخل القوات المسلحة في الشأن السياسي إلا في حال اتفاق المحكمة الدستورية والمجلس التشريعي المنتخب انتخاباً حراً مضافاً لغالبية الأحزاب الفاعلة ذات الوجود المعتبر في المجلس التشريعي.

تعليقات
Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد