تأسف رئيس مجمع الفقه الإسلامي د. عبد الرحيم آدم سليمان محمد، لعدم لجوء تسييرية نقابة المحامين إلى المجمع لأخذ الرأي الشرعي في إعداد مسودة الدستور الانتقالي، واعتبر ورود نص في دستور المحامين يشير إلى أن الدولة تقف على مسافة واحدة من كل الأديان مدخلاً للعلمانية الفلسفية، مؤكداً أن أعضاء المجمع حريصون بأن يكون المجلس في الحياد، وأن لا يتدخل في الآراء السياسية المباشرة، مشيراً إلى أن المجمع لا يصدر فتوى أو رأياً شرعياً، إلا بعد اجتماع هيئة مجلس الافتاء التي تضم (50) عضواً من تخصصات مختلفة .
ورأى رئيس مجمع الفقه في حواره مع (الفلاسفة نيوز ) أنه ينبغي أن تطلب الدولة الفتوى في بعض الأمور، مبيناً أن هذا ما كان يعيب حكومة حمدوك والحكومة الحالية بأن لا يطلبوا الرأي الفقهي الرسمي، متهماً جهات حكومية باللجوء إلى الطوائف لطلب الرأي الفقهي الخاص بمؤسسات الدولة، وأجاب رئيس مجمع الفقه الإسلامي على عدة أسئلة حول عدد من القضايا فإلى مضابط الحوار:
حوار ـ سيف جامع
بداية حدثنا عن دور وأهداف مجمع الفقه؟
المجمع هو وريث شرعي لما سبقه من مؤسسات تتعلق بالافتاء، سواء كان مجلس الافتاء أو من قبله “المفتي الذي أخذ أشكال متعددة في السلطنة الزرقاء كما ذكر المؤرخون، حيث سابقاً المفتي تابع للحاكم بعد ذلك أصبح المفتي هو الحاكم كما في حقبة المهدية، بعد ذلك أصبح المفتي شخصاً تعينه السلطة منذ زمن الانجليز إلى أن جاء مجلس الافتاء، حينما في الثمانينيات الناس تنادوا بالشريعة الإسلامية إلى أن جاءت الصحوة الإسلامية. وفي كيفية تنزيل التشريع في حياة الناس، بعض المفكرين رأوا أن بعض الدعوات الفوقية تأتي بتطبيق مشوه في الدين وتكون النتيجة عكسية، كما حدث عندما تم تطبيق فوقي غير ناتج من دراسات أو من الواقع وإنما من برامج معينة، في تلك اللحظة كانت الأفكار ترمي أن الحاجة إلى جهة مختصة بدراسة التشريع الإسلامي بعمق، وان وهذه الجهة لا هي مجلس تشريعي، لأن المجلس التشريعي قراراته ملزمة، والمجلس التشريعي به تمثيل للشعب لكن ربما لابد يكون الممثلون فقهاء، وبالتالي كانت هذه أحد أبرز الأسباب الرئيسية لتكوين جهة مختصة بالشريعة الإسلامية تنظر في القضايا، وفقاً للمقاصد وتنظر ما هي المصلحة سواء كانت آنية أو في المستقبل.
هناك من يرى أن المجمع لا يصدر فتاوى في جميع القضايا، كيف ترد؟
بالرغم من أنه في الممارسة العملية قد تؤخذ عليه بعض الأشياء منذ تأسيسه، وهو يمثل مرونة الشريعة الإسلامية، وهو لا يمثل رأي مجموعة من الناس أو فئة مقدسة يمكن يقول رأياً فيما يصدر من هيئة، الرأي إن لم يحقق مصلحة للأمة أو لم يحقق مقاصد الشريعة الإسلامية، لكن النهاية الرأي ينقد ويقابل برأي آخر، لذلك نرى أنه في زمننا أو للذين يأتون من بعدنا أن وجود مؤسسة بهذا الشكل مهم، سواء كان الناس يريدون تنزيل الشريعة الإسلامية إلى أرض الواقع أو يريدون أن يتعاملوا مع المسلمين كفئة لهم ديانة بها كل أقسام التشريع الموجودة، ونعالج مشكلة المجتمع، ثم إن في العالم الإسلامي كله هناك مؤسسات نظيرة للمجمع، بالتالي نحن إذا لم نحافظ عليه لن نستطيع مقابلة نظرائنا في العالم الإسلامي كما ينبغي، وربما تأتي لنا مشكلة ونتجه إلى آراء جهات خارجية، مثل ما حدث حينما شرع نميري قوانين سبتمبر واضطر بأن يستعين بعلماء من الأزهر وبلاد أخرى للنظر فيها، ولو هيأنا علماءنا والفتوى كانت داخلية، أو الرأي داخلي كان أفضل لنا، لذلك نقول إن من مصلحة الجميع ما ينظروا إلى المجمع إلا باعتباره مؤسسة تقويتها تقوية للأمة السودانية، وضعفها ضعف للأمة السودانية، وهذه هي الفكرة الأساسية لإنشاء مجمع الفقه، لذلك المجمع ينظر للأمور والقضايا بمقاصد الشريعة الإسلامية ويهيء الأمة نفسها، ولا يمكن أن أكون مسلماً ولا أغير الواقع الذي وجدته، وحالياً يمكن أجد مسلماً يقول لا أريد حكم الشريعة، في هذه الحالة المجمع مهمته كيفية التقارب بين المجتمع وما بين أحكام الشريعة حتى يتقبل حكم الله ويقدر المسلم أن يطبقه في حياته.
مع التحولات في المجتمع والتطور والانفتاح، والتأثير الخارجي، هل هناك تحديث في وسائل رصدكم ومقارنتكم للمجتمع حينما تصدر الفتوى؟
المجمع في ذاته واجهته إشكالات، الوضع الطبيعي مفترض أن يصدر الرأي الشرعي لكل إنسان مسلم سوداني، واستقلاليته وتبعيته لرئاسة الجمهورية كانت مهمة، لكنه إدارياً أنزل درجتين عملياً أنزل من الرئاسة إلى مجلس الوزراء، ومجلس الوزراء أتبعه غلى وزارة الشئون الدينية والأوقاف، وهو من مهامه أن يقارب ويصدر الآراء لمؤسسات الدولة، حالياً تواجهنا مشكلة، حتى في المخاطبات وتوجيه الرأي لأن لما أكون كمجمع تابع لوزارة الشئون الدينية والأوقاف، وأريد أن أخاطب رئاسة الجمهورية مفترض أن يكون هناك رأي وفقاً للشرع، وإذا كان الرأي خاطئاً فكيف تستجيب رئاسة الجمهورية، أو دعك من رئاسة الجمهورية ممكن وزارة أخرى، إذا أريد أن أخاطب وزارة يفترض أن أخاطبها بطريقة مباشرة، إما بالإجراءات الإدارية يقول لا، أنت تخاطب الوزير، والوزير يخاطبها، ونحن في أشياء معينة لا ننتظر رأي أي جهة لو مست جوهر الدين. وأذكر لك مثالاً لآخر قضية أصدرنا حولها بياناً، وهي قضية سد النهضة وجهنا نداءً للجهة المسؤولة في الدولة، ومكثنا شهرين بعدها أرسلنا صورة لمجلس السيادة وأخرى لمجلس الوزراء، وكنا موجهين الحديث كله للحكومة، وتناولنا في البيان أربع قضايا، أولها إذا كانت هناك مخاطر متعلقة بالسد أن تنبه الحكومة المواطن السوداني لكي يكون مستعداً لها، وثانياً أن تسعى الحكومة من الآن لتخفيف الأضرار المتوقعة، ورابعاً أن يكون المشروع مسؤولية الدولة وليست الحكومة فقط لأن الحكومات تتغير، الذي حدث أن كثيراً من الناس انتقدت تدخل مجمع الفقه الإسلامي في الأشياء الفنية، أول حاجة المجمع مكون من جميع التخصصات ومثل قضية سد النهضة هي تتبع للجنة العلوم الطبيعية والتطبيقية، وهي مهتمها تستمع للمختصين في أية قضية، وهي استمعت ولخصت الرأي وأتت به لمجلس الافتاء وقام بمناقشته قبل أن يصدر القرار. وقبل القرار هناك رأي مغاير، وإذا أي شخص له رأي مغاير عليه أن يتأكد أن رأيه هذا قيل داخل هيئة المجمع، لأن المجمع يعقد اجتماع هيئة من (50) عضواً بتخصصات وآراء مختلفة، وقضية سد النهضة أصدرنا البيان بعد مناقشة ثلاثة آراء، هناك رأي ذهب أبعد من ذلك بأن رأي بان البيان لا يوجه للحكومة السودانية فقط وإنما يوجه للحكومات الأخرى المشتركة في قضية السد، وهناك رأي يقول انحنا أصلاً ينبغي أن لا ندتخل، في النهاية ساد الرأي الوسط بأن نحن معنيون بحياة السودان ومقاصد الشريعة الإسلامية هي تعني المصالح والمضار التي تأتي للإنسان، وإذا صدق رأي المختصين باحتمالية حدوث خلل ما في يوم ما وإن طال الزمن في السد، يقتضي أن ننبه الناس مسبقاً، قبل أن تحدث المشكلة فجأة، وكانوا يقولون “انقد في البطن السلي” قبل أن يتطور الطب، أي أن المشيمة تنفجر داخل بطن الحامل والمرأة تموت، والجنين يموت، ونحن لا نريد أن يتفاجأ السودانيون بصدمة كبرى كما حدث في سد مأرب، الإنسان يجب أن تعمل والحكومة تعمل والحكومة يجب أن تخطط للسكن حول النيل، بأن تجهر الأراضي المسطحة للزراعة ويخطط أراضي أخرى للسكن.
ماهي مستويات عرض الفتوى والآراء داخل المجمع؟
الآراء حينما تصدر من هيئة المجمع فهي تناقش مناقشة مستفيضة، حتى رأي القيادة في المجمع ربما قد تسقط، حينما نصدر قراراً أو بياناً باسم مجمع الفقه الإسلامي يعتبر هو الرأي الموضوعي، وتشارك فيه كل الناس ولا يمثل رأي الرئيس أو غيره، لأن الرئيس ربما له رأي آخر لكن ملزم برأي المجموعة، والناس إذا اصبحوا منصفين أن لا يحمل المجمع أكثر من ما ينبغي، ولو متابع هناك خبر قبل أسبوعين منتشر عن أن مجمع الفقه الإسلامي جوز جواز السر، وهذا الحديث حتى ولو صحيح فرأي العضو لا يمثل رأي المجمع، لأنه صدر من عضو، وحتى لقائك هذا معي حينما يصدر يجب أن تقول رئيس المجمع، لأنه يمثل رأيي الشخصي، ومفترض أن صفتي رئيس يخطط للرؤية والمنهج والأهداف، وبالتالي الآرء تنسب للأفراد والدوائر، ممكن يقول قال شيخ فلان أو دائرة الأسرة أو العلوم الطبيعية طبعاً عندنا 8 دوائر، دمجناهم في هذه الدورة في 7 دوائر، لكن حينما يصدر قرار باسم المجمع تأكد أنه تمت مناقشته ويوقع بتوقيع الأمين العام، إلا بظروف معينة يصدر باسم الرئيس، هذا في الجانب المتعلق بمشكلتنا في المجمع والمتعلق بفهم الناس لدور المجمع.
ماذا عن رأي المجمع في القضايا السياسية، وأين دور المجمع؟
الأعضاء كانوا حريصين أن يلتزم المجلس الحياد، وأن لا يدخل المجمع في الآراء السياسية المباشرة، لكي يقول هذا صحيح أو غير صحيح، وبالتالي يمكن أن يصنف لجهة، لكن هناك قضيتين كنت أريد المجمع أن يناقشها القضية الأولى أن نجمع المبادرات المطروحة وأن نأتي بممثلين للمبادرات ونستمع لهم وبعدها نتناقش كأعضاء، مهمتنا نحن أن ننظر لأي حدث ما علاقته بمدى إنزال الشرع في أرض الواقع أو لا، وبالتالي إذا كان هناك رأي أرى أنه يجب أن نستمع إلى كل الناس، خاصة عندما ظهر دستور المحامين الذي نص على أن الدولة تقف على مسافة واحدة من كل الأديان، وهذا النص مدخل للناس أن تقول الناس إنه مدخل للعلمانية الفلسفية، وبالتالي أن يكون طرد للدين، أو يفسر بأنه حياد، وأنا رايي الشخصي أن نناقش دستور المحامين، وحتى إن لم نخرج ببيان يجب أن يكون لنا كأعضاء رؤى متقاربة أو لدينا إجابات أو معلومة بحسب الآراء التي ناقشناها، لكن بعض أعضاء المجمع قالت لو نحن استمعنا لأي جهة يمكن أن يعتبورننا منحازين لها، لذلك سسكتنا ولم نأتِ بهذه المبادرات، صحيح هناك عضو في المجمع ضمن مبادرة الجد أتوا لنا ـ مبادرة “الطيب الجد” ـ وكذلك جاء وفد من مجموعة مبادرة “أبو صالح” وكنا نتوقع أن يأتي إلينا وفد من مبادرة دستور المحامين، لكن لم يحدث. نعم الأمانة العامة للمجمع أتت بمسودات للمبادرات لكن لم يحدث اجتماع لمناقشتها.
عندنا في المجمع من ضمن الأشياء التي يصدرها المجمع أن يصدر فتاوى أو خيارات، وهذه الخيارات تعطي الشخص المسوؤل أو الشخص الذي طلبها سعة، لكن ليس بها درجات، والشريعة عندما نزلت لها مهام مختلفة، كونه نحن نصدر قرار واحد يكون ذلك غير سليم، وإذا طلب شخص الخيارات نحن نقول الخيار الأول حسب ما ترجح لنا من مقاصد الشريعة الإسلامية كذا وكذا، والخيار الثاني كذا، وإذا رجحنا الخيار الأول سنذكر أسباب الترجيح، وإذا انتفى أي من أسباب الترجيح سنذهب للخيار الثاني، هو يتوافق مع مقاصد الشريعة الإسلامية ولكن إذا لا توجد جهة لجأت إليه وهناك من قال ذلك يكفي .
إذن ماذا عن الفتاوى الخاصة بشؤون الدولة؟
هناك ما نسب من عهد النظام السابق، أن مجمع الفقه جوز قتل الناس، ولكي لا يفهم الناس هذا الحديث خطأ في اللحظة تلك، أنه حسب ما أشيع أنه صدر من شخص وليس عن المجمع.
هل الدولة أحياناً تطلب فتاوى؟
نعم، ينبغي أن تطلب الدولة الفتوى في بعض الأمور، وهذا ما كان يعيب حكومة حمدوك والحكومة الحالية بأن لا يطلبوا الرأي الفقهي الرسمي، وهناك من يطلب الرأي الفقهي الخاص بمؤسسات الدولة يلجأ فيه للطوائف، وهذه واحدة من الإشكالات، وكان هذا المجمع عبء على الدولة رغم أن هناك إنفاقاً عليه ويفترض أن يصدر عنه الرأي الموضوعي، لكن هناك من يطلب الرأي من شيخ آخر في قضايا تهم الدولة وأعتقد أن ذلك قصور، وبذلك تكون الأموال التي تنفق على المجمع في غير محلها، لطالما هناك مؤسسة تصدر لك الخيارات بحياد أن تعمل بها.
ماذا عن دوركم في الراهن عامة؟
نحن لسنا بعيدين عن الواقع لكن الواقع السياسي لا نتدخل فيه بعمق، لكن الواقع الاجتماعي منخرطون فيه كل الانخراط، وفيما يتعلق بقضايا المجتمع أن وصلنا إلى شراكة مع معاهد متخصصة في علم النفس، لأن غالبية القضايا التي تصلنا متعلقة بالأسر وهي ثلاث قضايا، الميراث والطلاق، والوصايا والزواج، وأجرينا شراكة مع المعاهد في كيفية إنزال علم النفس في معالجة هذه القضايا، واتجهنا إلى الشراكات مع الجهات التي ترى أن تنزل برامج سواء كانت منظمات أو جهة خارجية مثل شراكتنا مع مجمع الفقه الدولي في جدة، وأيضاً مع الأمانة العامة لدور وهيئة الافتاء في العالم في مصر وكل ذلك لكي نرسخ ونمكن هدفنا الأساسي، بأن هذا المجمع فيما بعد في ظل المناداة الآن الأفضل أن يتحرك في الجهة الوقفية الشعبية أكثر من كونه رسمياً، لأنه حالياً حتى تمويله به إشكالية بعد أن انزل ثلاث درجات وتبع لوزارة الشئون الدينية، إذا أصبح راسخاً في وجدان الناس مثلاً عند قدوم رمضان، أي شخص سمع أن شهر رمضان ثبت في البلد الفلاني كذا، يمكن أن يصوم مع ذلك البلد، بذلك يكون لا داعي من وجود مؤسسة في قضية متعلقة بلب العبادة من أركان الإسلام الخمسة، نجعل الرأي ما هو الغالب، لذلك نريد أن يكون رأي المجمع هو الراجح في العبادات. في ديوان الزكاة لهم هيئة خاصة بالافتاء وأيضاً الحج والعمرة نص قانونهم أن فتاوى مجمع الفقه ملزمة، وبالنسبة للعقيدة وكيف الإنسان يعتنقها هناك المجلس الأعلى للدعوة، أما الصلاة والصوم، ما يقوله مجمع الفقه في هذا الجانب يجب أن يكون هو المرجح.