الجميل الفاضل يكتب: “عبدالباري” رجل الكواليس الغامض.. هل يحكم السودان؟.

194

قال السفير دانيال شابيرو، وهو زميل متميز بالمجلس الأطلسي بواشنطن، وكان كبير مديري إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجلس الأمن القومي الأمريكي في عهد أوباما، وقبل ذلك كبير مستشاري السياسات بحملة أوباما الرئاسية: “نصرالدين عبدالباري يمثل صوتاً مهماً ورصيناً بشأن الفرص والتحديات التي تواجه السودان وهو يتقلب بين تغيير داخلي، ودوره المتطور في المنطقة.”
الفقرة الأخيرة جاءت في تصريح شابيرو كبير مديري إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجلس الأمن القومي الامريكي السابق بمناسبة تسمية نصرالدين عبدالباري زميلاً رفيعا ببرامج الشرق الأوسط بمجلس الأطلسي مؤخرا، لتكشف عن تطلع أمريكي لا يخفي “لدور متطور للسودان في المنطقة”.
بل أتصور الآن أن هذه المهمة بالتحديد، هي التي دفعت السفير دانيال للتعويل على أن “عبدالباري” يمكن أن يمثل صوتا مهما ورصينا بشأن الفرص والتحديات التي تواجه السودان، وهو يتقلب بين تغيير داخلي.
فالتعويل الأمريكي الكبير علي “عبدالباري” لم ينشأ أصلا من فراغ، بل من واقع تجربة عملية جنى ثمارها رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، الذي ثمنت وكالة بولمبيرغ جانبا من أعمال حكومته الجريئة وغير المسبوقة على مستوى المنطقة، التي اضطلع بها نصرالدين عبدالباري نفسه.
والتي أدرجت بسببها وكالة بلومبيرغ قبل عام تقريبا عبدالله حمدوك ضمن أكثر 50 شخصية مؤثرة حول العالم بحسبان أنه قد أدخل مجموعة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي اعتبرتها الوكالة، الأعمق في العالم الإسلامي كله منذ عقود.
بل أعتبر تقرير بولمبيرغ في ذلك الوقت، أن حكومة حمدوك قد طبّقت ستّ سياسات رئيسة جديدة، ربما كانت أجرأ التغييرات في العالم الإسلامي منذ قرن “وفق تعبير الوكالة”.
وقال تقرير بولمبيرغ: إن حكومة حمدوك شرعت في برنامج إصلاح اجتماعي سياسي جريء ومفاجيء.

مشيرة إلى أن الإصلاحات التي ادخلتها حكومة حمدوك في يوليو من العام الذي سبق شملت تعديلات وإصلاحات في القوانين ألغت بموجبها قوانين تُجرّم الردّة، وعقوبة الجلد، وجرّمت بتر الأعضاء التناسلية الأنثوية، كما ألغت القانون الذي يُطالب النساء بالحصول على تصريح من أحد أفراد الأسرة الرجال للسفر مع أطفالهن، وغيرها من القوانين واللوائح التي قد تدخل في تضييق الحريات العامة و الشخصية.
وقال التقرير: ان أكثر ما يلفت الانتباه هو أن حكومة حمدوك تعهدت بفصل الدين عن الدولة، مُنهيةً ثلاثة عقود من الحكم الديني، وشبهت الوكالة الاصلاحات القانونية التي ادخلها حمدوك بيد “عبدالباري” علي البنيات الاساسية المتعلقة بالحريات الدينية، بما قام به آخر زعيم مسلم حاول مثل هذا التحول هو “كمال أتاتورك”، الذي حوّل تركيا إلى جمهورية علمانية في عشرينيات القرن الماضي .

وكان تقريرا لإذاعة “مونتكارلو الدولية” قد اطلق قبل نحو عامين علي “عبدالباري” وصف “عراب تجريم التكفير، وختان الاناث”، اشار التقرير الي ان نصر الدين عبد الباري شرع في تنفيذ إصلاحات كبيرة في المنظومة العدلية السودانية، تهدف إلى بسط حريات أكبر، وتحقيق المساواة المطلوبة في المجتمع.
وأن إصلاحات عبد الباري شملت عدة مواد من بينها إلغاء حد الردة، وتجريم التكفير، ومنع ختان الاناث، وإعطاء المرأة الحق في اصطحاب أبنائها في السفر، والسماح لغير المسلمين بشرب وتداول الخمر.
وقالت الاذاعة الدولية أن وزير العدل السوداني الشاب صاحب الـ34 سنة بدا مقنعاً، وعلى ثقة في تناوله للإجراءات الآخيرة، التي قامت بها وزراته وقدم مبررات وتفسيرات للمواد مثار الجدل، في لقاء على التلفزيون السوداني هو الأول منذ توليه المهمة.
بل وفي أطار ادوار معتدية اخري لمهامه كوزير للعدل، كان قد وقع عبد الباري مطلع العام الماضي انابة عن السودان، وعن وزير الخارجية المختص، علي “اتفاقيات أبراهام”، بمقر سفارة الولايات المتحدة بالخرطوم تمهيدا لتطبيع العلاقات مع دولة إسرائيل، التي وقع للغرابة أيضا انابة عنها وزير الخزانة الامريكي السابق ستيفن منوشين.
وفي ذات السياق بدا لافتا ايضا ان عبدالباري قد التقي قبل نحو اثني عشر يوما فقط من انقلاب البرهان باثنين من كبار المسؤولين الحكوميين الإسرائيليين أثناء زيارة غير معلنة للإمارات العربية المتحدة.
رشح انه اتفق مع المسئولين على ضرورة العمل من أجل تطبيع العلاقات خلال الشهر نفسه كجزء من “اتفاقيات إبراهيم”.
حيث استهل عبد الباري اجتماعاته بلقاء وزير الشؤون الإقليمية الإسرائيلي عيساوي فريج من حزب “ميرتس”، الذي ناقش معه مشاريع ثنائية القومية، وتعزيز العلاقات.

وبحسب مكتب فريج، قال عبد الباري إن على السودان وإسرائيل العمل معا في مشاريع تعليمية وثقافية مشتركة لتعزيز العلاقات بين الدولتين.
واقترح عبد الباري خلال الاجتماع وضع برنامج للتبادل.
وقال عبد الباري”أنا أؤمن بقوة التعليم والروابط الثقافية، لذلك أعتقد أنه يجب علينا التواصل على المستوى الثقافي والتعليمي قبل الترويج للمشاريع الاقتصادية”.
وأضاف أن “اتفاقيات إبراهيم” في العام الماضي كانت “خطوة صحيحة وضرورية” نحو السلام الإقليمي.
ووفقا لمكتب فريج، قال “عبد الباري”: “في البداية، تقبل مجموعة صغيرة التغيير، ثم تنضم المزيد والمزيد من المجموعات” – في اشارة لتباين المواقف السودانية حول التطبيع مع اسرائيل -.

ومن جهتها أكدت وزارة الخارجية الاسرائلية كذلك أن نائب وزير الخارجية عيدان رول التقى بشكل منفصل مع عبد الباري.
وبحسب الخارجية الإسرائيلية، اتفق رول وعبد الباري على التعاون المستقبلي في مجال التدريب التكنولوجي الذي يهدف إلى إعداد المواطنين لمتابعة مهن عالية التقنية.
وقال رول عقب الإجتماع “هدفنا هو التعاون في التدريب التكنولوجي من أجل مساعدة الشباب من جميع جوانب الاتفاقيات للتكيف مع التغيرات في سوق العمل ومنحهم المزيد من القدرات التي يمكنهم أيضا المشاركة فيها عن بُعد، كجزء لا يتجزأ من صناعة التكنولوجيا”.
كما شدد رول على أهمية توقيع السودان وإسرائيل على اتفاقية تقيم علاقات دبلوماسية رسمية بين البلدين، وصنف الاجتماع -الذي جاء قبل أقل من اسبوعين من الانقلاب- علي انه “جزء من القوة الدافعة لاتفاقات اراهام”.

وبعد الإنقلاب كان نصر الدين عبد الباري قد خاطب الرأي العام الإسرائيلي بمقال نشرته صحيفة ( هارتس) الاسرائيلية تحت عنوان ”اسرائيل يجب ان تدين انقلاب السودان”، قال فيه: ان الرأي العام في السودان يدعم التطبيع مع اسرائيل ولا يعارضه.
وقال نصر الدين في مقاله ” ان استمرار العلاقات رغم وقوع الانقلاب يشير الى ان اسرائيل تدعم المكون العسكري على حساب القوى الديمقراطية المدنية، ومن اجل علاقات افضل في المستقبل على اسرائيل ان توضح موقفها من اضعاف التحول الديمقراطي بواسطة العسكر الذين تدعمهم.
وتابع عبد الباري لكن التغيير الاستراتيجي بشان التطبيع يتطلب ان تدعم اسرائيل القوى المدنية التي تسعي لتأسيس نظام ديمقراطي لا يهدد احد.
وأردف قائلا : ان اتخاذ خطوات عملية للتطبيع بين اسرائيل والسودان يعكس تغييرات جذرية في السودان، خاصة لتحقيق المصالح المشتركة في التعاون الامني والتبادل الثقافي والاكاديمي والتعاون في مجالات التكنلوجيا والزراعة وغيرها. و ان موقف اسرائيل غير الواضح من الانقلاب يدعم القوى المناهضة للتحول الديمقراطي وانه لا تراجع عن هذا الطريق اذ لا مكان لهذاالنظام الانقلابي في السودان او اي مكان اخر.
المهم رغم نفي المتحدث باسم مركزي الحرية والتغيير جعفر حسن، لأنباء عن ترشيح تحالفه نصرالدين عبدالباري لمنصب رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية المرتقبة، الا أن ما يجري الآن وراء الستار، يمكن أن يرجح أيضا حظوظ عبد الباري في الحصول على المنصب بأكثر من سواه، لإعتبارات تتصل بإستكمال ما بدأه الرجل من خطوات اعتبرتها الدوائر الغربية المؤثرة على أوضاع السودان، التغييرات الأعمق والاجرأ التي تحدث في بلد إسلامي منذ نحو قرن.

تعليقات
Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد