كنائس بلا تراخيص.. عراقيل في وجه تشييد دور عبادة لمسيحيي السودان

161

تحقيق: عزة أبو عوف

“أنا مواطن يجب أن أمارس حريتي الدينية دون شروط وارتهان للغير”، عبارة يفضّل القس يحيى نالو أن تكون أساساً  للحديث، باعتبار أن حرية الدين والمعتقد حق أصيل لايجب المساومة فيه ويجب أن لا يخضع لشروط يصفها بالتعجيزية للحد من إنشاء كنائس في السودان.

 ويعدد نالو في جملة من النقاط الخطوات التي يجب على مسيحيي السودان اتباعها حتى يتم الترخيص لهم بإنشاء كنيسة حيث “اشترطت وزارة الشؤون الدينية وجود عدد من الأشخاص المسيحيين في المنطقة التي يراد إنشاء كنيسة بها”، وبحسب نالو، فإن العدد  “يتغير وفقاً  لأمزجة الأشخاص المعنيين بوزارة الشؤون الدينية فأحياناً يحددونها بـ٥٠٠ شخص، وأحيانا يكتفون بطلب توقيع ٢٠٠ شخص، بمعنى أن ليس هناك رقم محدد لكي تسهل عملية التقديم”.

ويضيف نالو أن الطلب يتحول بعد ذلك إلى لجنة الحي للموافقة على قيام كنيسة في المنطقة، ثم يتم تحويل الطلب لإدارة الدعوة والإرشاد بوزارة الشؤون الدينية للموافقة عليه مع العلم أن الإدارة مختصة بشؤون المسلمين فقط .

ويصف ما يحدث بعدها بالتسويف، متابعاً: “بعد كل الطلبات لم يتم منح تصديق للعشرات من الكنائس في الخرطوم فقط.. نحن ندور في حلقة مفرغة”.

ويتفق الرئيس السابق لمجلس الكنائس القس مبارك حماد مع توصيف نالو في أن شروط منح التراخيص “تعجيزية”.

ويتطرق نالو إلى جانب آخر يراه مهماً، فبالنسبة إليه، من الضروري “وضع خطط إسكانية تتضمن وجود كنائس، مشيراً إلى أن الدولة لا تمنح أي ترخيص لكنائس جديدة، ويردف: “حتى الكنائس الموجودة حالياً تمت عبر شراء المسيحيين لأراض وتحويلها لكنائس”، ويتعبر أن كل ما تقوم به السلطات السودانية انتهاك واضح وصريح في حق المسيحيين بما يشمل وضع شروط تعجيزية وميل السلطات لتعبئة المواطنين بالأحياء لرفض قيام الكنائس.

ويستنكر نالو قيام إدارة الدعوة والإرشاد بوزارة الشؤون الدينية بطلب موافقة من الأجهزة الأمنية على إنشاء دور للعبادة.

ويكشف الناشط الحقوقي والمحامي شنباقو عوض أن مواطنين مسيحيين بمنطقة سوبا بالخرطوم تقدموا بطلب لإنشاء كنيسة بمنطقتهم بدلاً من كنيستهم السابقة التي كانت تعمل بشكل عشوائي وتمت إزالتها. ويضيف أنه تم تقديم الطلب بسوبا قبل سقوط نظام عمر البشير في عام ٢٠١٩ و”أكدنا فيه أن الكنيسة كانت قائمة في مكان عشوائي، وتمت إعادة تخطيط المنطقة ولم يتم تسليمنا كنيسة، ولم يتم  منحنا أي ترخيص حتى الآن ولم يتم الرد على طلبنا”.

ووفق أرقام يوردها رئيس الطائفة الإنجيلية في السودان رأفت سمير فإن ٩٠% من الكنائس الموجودة في السودان غير رسمية و١٠% منها فقط رسمية.

ومن التحديات التي تواجه مسيحيي السودان، تقييد أماكن ممارستهم للعبادة وتعرض بعضهم لعقوبة السجن بسبب تحويل منازلهم إلى دور للعبادة بعد أن منعتهم الحكومة من الحصول على كنائس ومقار رسمية، وفق  ما يذكره  مبارك حماد، الذي يتهم  الحكومات المتعاقبة على السودان منذ الاستقلال بانتهاك حقوق المسيحيين.

ويقول حماد إن “كل الحكومات عمدت على عدم تصديق إنشاء كنائس في السودان ولكن حزب المؤتمر الوطني عمّق الأزمة وجراح المسيحيين”، على حد تعبيره، ويضيف أن فترة وجود حزب المؤتمر في السلطة شهدت “إغلاق دور العبادة الخاصة بهم التي اشتروها بحر مالهم كأراضٍ سكنية وحولوها لكنائس”. ويضرب حماد مثلاً أن وزارة الإرشاد والأوقاف في عام ٢٠١٦ قامت بإزالة ٢٥ كنيسة في شرق النيل وكنيستين في محلية جبل أولياء.

ويتحدث حماد عن “انفراج نسبي” للحريات الدينية في السودان بعد ثورة ديسمبر عام ٢٠١٩ مع بقاء مشكلة منع ترخيص الكنائس، لكنه يردف أن المسيحيين في فترة الحكومة الانتقالية التالية لإسقاط نظام عمر البشير لم  يتعرضوا لهجوم على كنائسهم أثناء صلواتهم واحتفالاتهم الدينية. 

ويعلق رأفت سمير على النقطة الأخيرة بالقول إن “عدم مهاجمة دور العبادة التابعة للمسيحيين أثناء فترة الحكومة الانتقالية  أشبه بالتخدير”، ويشير إلى أن تلك الحكومة الانتقالية تعاملت مع ملف المسيحيين في السودان “كتكتيك سياسي” بينما في واقع الأمر “ليس لها رغبة حقيقية لرفع الانتهاكات عن المسيحيين”.

ويتابع سمير أن الحكومة الانتقالية ما بعد إسقاط البشير تعاملت مع الملف “حسب الضغوط الدولية”، ويتهمها بالإبقاء على “أسباب التفرقة في المناهج الدراسية”.

ويرى مبارك حماد أن الانقلاب العسكري في ٢٥ أكتوبر من العام الماضي “أعاد كل الممارسات التي تخالف حقوق الإنسان بحق المسيحيين”، مشيراً إلى أن تلك الممارسات لا تقتصر فقط على عدم منح تراخيص بناء كنائس بل “تم إيداع مبشرين وقساوسة في السجن على خلفية بلاغات إزعاج عام أثناء تأديتهم العبادة في الكنائس” وكشف عن سجن أحد القساوسة بولاية الجزيرة لمدة شهر بسبب بلاغ إزعاج عام وقضى فترة عقوبته فضلا عن تهديدات بالقتل لمبشر ومحاولة اغتياله بولاية الجزيرة. 

ويلفت حماد إلى تعرض منزل تم شراؤه بإحدى مناطق أم درمان وتحويله إلى مقر للعبادة إلى هجوم، عدا عن بلاغات إزعاج بحق القسيس المشرف عليه، وهو ما يذكر بحال البيوت العشوائية التي تم تحويلها للعبادة.

ويشير حماد إلى أن سلطة الانقلاب لم تنظر في أكثر من مئتي طلب رسمي للترخيص بإنشاء كنائس تم تقديمها على مدى سنوات ولم يتم البت بأي منها حتى الآن.

وتنتقد الناشطة الحقوقية ناهد محمد التضييق على القساوسة بسبب بلاغات الإزعاج العام بالازعاج العام على خلفية أداء صلوات يوم الأحد، وترى أن مسيحيي البلاد  تعرضوا للاضطهاد بشكل أكبر بعد انفصال دولة جنوب السودان.

وتستطرد محمد أن القوانين بعد ثورة ديسمبر إما لم يتم تعديلها  بشكل كاف أو العمل بها، وتلفت إلى إيقاف برنامج أصوات الأحد الذي كان يخصص ساعتين في التلفزيون السوداني لأتباع الديانة المسيحية، وذلك بعد مهاجمته من قبل إسلاميين متطرفين.

وبحسب دراسة ميدانية نشرتها مجلة البيان عام ٢٠١٩، تحتوي ولاية الجزيرة على ١٥ كنيسة، ومدينة سنار على٣ كنائس فيما بلغت عدد الكنائس الرسمية ١٣ كنيسة بمدينة الأبيض و٩ في جنوب كردفان  و١٤ في شرق السودان و٥ كنائس ببورتسودان،  ووفق تصريحات سابقة قال وزير الشؤون الدينية السابق نصر الدين مفرح أن عدد الكنائس في الخرطوم هو ٢٣٦ كنيسة موزعة على طوائف مسيحية مختلفة.

ويشكل المسيحيون أكثر من ٤ % سكان السودان بحسب تقرير منظمة “أبواب مفتوحة” الصادر عام ٢٠٢٠ في العاصمة الفرنسية باريس، وتعنى  المنظمة برصد الانتهاكات بحق المسيحيين حول العالم. ووفق التقرير، فإن الحرية الدينية في السودان تحسنت بشكل قليل نوعاً ما من خلال وقف هدم الكنائس، إضافة إلى إلغاء حكم الردة ولكن لا يزال الإسلام المحافظ هو المهيمن على طابع المجتمع، ولا يزال المسيحيون يواجهون صعوبات في الحصول على تراخيص لبناء الكنائس، لأن الحكومة السودانية بحسب التقرير لا تريد إثارة حفيظة المسلمين، على الأقل في الوقت الحالي (التقرير صادر خلال فترة الحكومة الانتقالية وقبل الانقلاب العسكري).

تعليقات
Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد