محاكمات وضرب وإهانات.. معاناة مواطنين قرروا تغيير دينهم في السودان

318

الخرطوم/ السودان / حواء رحمة

بصوت يملؤه الحسرة يستذكر محمد هارون عبد الجبار (22 عاماً) قصته حول تعرضه للاعتقال والتعذيب بعد القبض عليه وآخرين بتهمة الردة في 24 يوليو من العام الحالي، إثر تحولهم من الإسلام إلى المسيحية.
ويستعيد عبد الجبار تفاصيل الواقعة : “كنّا مجموعة من الطلاب نمارس الطقوس الدينية في الكنيسة ونطالع الكتاب المقدس كالعادة كل يوم أحد في منطقة زالنجي بولاية وسط دارفور، عندما داهمت قوة من المباحث مقرنا المكون من معهد وكنيسة وسكن في ذات الوقت دون أن يبرزوا لنا هوياتهم”، ويردف: “هددونا بواسطة أسلحة نارية وتم اعتقالنا وصادروا مقتنياتنا ومعدات الكنيسة، وعددنا أربعة أشخاص، بمعيتي أخي بدر الدين هارون عبد الجبار، ورفاقنا طارق آدم عبد الله، ومرتضى إسماعيل يوسف، وتم اقتيادنا إلى قسم المباحث وهناك تعرض مرتضى للضرب الشديد من قبل المباحث، ونقلنا بعدها إلى قسم الشرطة”.
ويتابع عبد الجبار سرد ما جرى: “انتظرنا لمدة 8 ساعات حتى وصل أهلنا للقسم وخرجنا بالضمان الشخصي وعدنا للكنيسة مرة أخرى وتم الاتصال بنا لاستلام مقتنياتنا، وأخبرونا أنه تم فتح بلاغ بحقنا تحت المادة 126- قانون الردة حسب القانون الجنائي لعام 1991”. لم تنته قصة الاعتقال هنا، إذ يشير عبد الجبار إلى تعرضه وشقيقه وصديقيه للاعتقال “للمرة الثانية واستمر حبسنا ثلاثة أيام واستعنا بمحام وقدم طلبا وتم الضمان وخلال وجودنا في السجن تعرضنا للضرب والتعذيب الشديد من ضرب وشتم وركل بالأرجل”، مشيراً إلى أن التحقيق اشتمل على سؤال حول سبب تغيير ديانتهم، وأنهم عندما أكدوا على اعتناق الدين المسيحي عن قناعة، فإن ذلك كان يؤدي لمزيد من الضرب والتعذيب والإهانة بكلمات “جارحة جداً”.
ووفق المادة 126 من القانون الجنائي السوداني، “يعد مرتكباً جريمة الردة كل مسلم يروج للخروج من ملة الإسلام أو يجاهر بالخروج عنها بقول صريح أو بفعل قاطع الدلالة، ويستتاب من يرتكب جريمة الردة ويمهل مدة تقررها المحكمة فإذا أصر على ردته ولم يكن حديث عهد بالإسلام يعاقب بالإعدام”.

آراء دينية وقانونية
يشير الشيخ وخطيب المسجد آدم إبراهيم الشين إلى أنه ورد عن السلف “إكرام المرتد قبل الحكم عليه أو التحقق معه”. ويعتبر إهانته أو تعذيبه أمراً مخالفاً للشرع والدين والقانون، مضيفاً أنه لا يصح العنف وإكراه شخص لمعرفة دوافعه لتغيير دينه. ويرى الشين أن التراث الإسلامي يضم شواهد على أن “المطلوب بأن يُكرم المرتد لإنسانيته ولا يجوز تعذيبه ولا يجوز حبسه أو أخذ أقواله بالقوة. وروي عن الخليفة عمر بن الخطاب بأنه أمرهم أن يطعموا المرتد من لين الطعام وطيب الفراش ومن الأشياء التي يحبها لعله يرجع”.
المحامي محمد يوسف يقول إنه “كان هناك اتجاه للإصلاح القانوني وسن قوانين تراعي الحريات الدينية وإنشاء مفوضية خاصة بالحريات الدينية ولكن كل ذلك قطعته إجراءات انقلاب 25 أكتوبر2021 مما أعاد السودان للوراء إلى ما قبل عام 1989″، قاصداً بذلك عام وصول نظام الإنقاذ الإسلامي للسلطة، ويضيف يوسف أن ما فترة ما بعد انقلاب أكتوبر شهدت “هجمة كبيرة على الحريات من ضمنها الحريات الدينية تمثلت في تجاوز إجراءات إلغاء القوانين والتعديلات التي أصدرها وزير العدل في حكومة الفترة الانتقالية”.
ويلفت يوسف إلى قضايا أخرى مماثلة فيما يتعلق بالحريات الدينية خلال الأشهر الأخيرة، كمحاكمة قسيس بدعوى الإزعاج العام بعد القبض عليه أثناء ممارسة الصلوات في منطقة الحاج عبد الله في ولاية الجزيرة، أو اتهام محاكمة سيدة مسلمة بتهمة الردة لإقامتها علاقة خارج إطار الزواج مع رجل مسيحي، عدا عن مضايقات بحق قساوسة في الخرطوم.
وتشير الخبيرة القانونية والمديرة التنفيذية لمركز ساس الحقوقي سلوى ابسام إلى قاعدة أصولية أو مبدأ عام في القانون مفاده أنه لا توجد جريمة ولا عقوبة إلا بنص، مستشهدة بمثال من الدين الإسلامي، حيث تقول آية بسورة الإسراء: (ومَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا) 15، وتشرح: “أي لا يوجد اجتهاد في المسائل الجنائية، لذا فإن المحكمة العليا، بعد الانتفاضة، أبطلت قرار حكم الإعدام وإثبات جريمة الردة على السياسي والكاتب محمود محمد طه وفقا لأصول الأحكام القضائية”.
ومحمود محمد طه في العام مفكر سوداني ومؤسس الحزب الجمهوري، حوكم عام 1985 بسبب أفكاره، ونفذ عليه حكم الردة وأعدم خلال عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري.
بدوره يؤكد المحامي والخبير القانوني البارز نبيل أديب في تصريحات سابقة لموقع (عاين) أن المادة 126 من القانون الجنائي السوداني، “تخالف المادة 48 من الدستور السوداني للعام 2005، والمادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 18 من العهد الدولي للحقوق المدنية والمادة 8 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب”.

خطوات للخلف
يذكّر المحامي محمد يوسف بأن ثورة ديسمبر 2018 “رفعت شعارات من بينها الحرية والعدالة، لينعم السودان بدولة الحقوق والواجبات والمساواة وفق قوانين تراعي حرية الإنسان في معتقداته وحقه في اختيار دينه وممارسة شعائره بشكل إنساني دون أن يتعرض لأي انتهاك”، مردفاً بأسف: “ولكن التقلبات السياسية حالت دون ذلك”.
يمضي يوسف للإشارة إلى “إلغاء عقوبة الردة والاستعاضة عنها بمادة تعزز عدم ازدراء الأديان والكراهية”، مقرّاً بالتخوف الذي ساد حتى خلال فترة الحكومة الانتقالية “من عدم تنفيذ القضاة للتعديلات الجديدة، والاستمرار بإجراء محاكمات وفق مواد قانونية تم إلغاؤها”، ويضرب مثلاً بتنفيذ عقوبة الجلد لشرب الخمر داخل المحاكم رغم إلغاء المادة.
وكان وزير العدل السوداني السابق نصر الدين عبد الباري، أقر في تصريحات لتلفزيون السودان بأن هنالك صعوبات ستواجه تطبيق التعديلات القانونية الجديدة التي شملت إلغاء مادة “الردة”، لكنه لفت إلى أن النيابة يمكنها لعب دور مهم في ذلك.
وبحسب دراسة نشرها المركز الإفريقي للعدالة ودراسات السلام حول الردة في السودان بين العامين 1968 و2017، فقد وجهت تهم الردة لحوالي 155 سوداني وسودانية، تطابقت فيها الدوافع والأسباب السياسية للحرمان من الحق في التدين والاعتقاد. وذكرت الدراسة حينها أن تلك الدوافع “تظل حاضرة رغم الالتفاف حيث استند إلى الاتهام في بعض الحالات على فرض نسخة محددة من طريقة التدين الإسلامي على ارتباط بنهج السلطة الحاكمة التي تستند فلسفة الإسلام السياسي لتعزز من سيطرتها على السلطة ومحاربة معارضيها” .

تعليقات
Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد