محي الدين جمعة يكتب: كراهية إتفاقية سلام “جوبا” ام كراهية أطراف السلام:

157

ظهر في الآونة الأخيرة نقدٌ حاد لإتفاقية سلام جوبا التي وقعت عليها حكومة السودان في أكتوبر ٢٠٢٢م مع حركات الكفاح المسلح “أطراف العملية السلمية”. والذين يروجون لهذا النقد الحاد هم أنفسهم الذين كانوا يدعون إلى السلام وكانوا من ضمن الوفود التي ذهبت إلى عاصمة جنوب السودان جوبا لحضور مراسيم التوقيع. ولكن الغريب في الأمر جداً أن هؤلاء الذين ينتقدون الإتفاقية ينقسمون إلى مجموعتين:
المجموعة الأولى : وهي التي لم تشارك في التوقيع على الإتفاقية وادت ومواقف سلبية في وقت مبكر من التوقيع. وجاءت المواقف السلبية من عدم مخاطبة الإتفاقية لقضايا جوهرية كما تزعم وتشمل هذه المجموعة حركات الكفاح المسلح غير الموقعة على الإتفاقية.
اما المجموعة الثانية: فهي مجموعة مدنية تعتقد أن وجود حركات الكفاح المسلح في هذا الوقت، اي في وقت كان يتزامن مع بداية تشكيل حكومة الفترة الإنتقالية، طمعاً في المناصب، والامتيازات، ولاحتكار المواقع المهمة في الدولة، وبعد انتهاءهم من المناصب المهمة يمكنهم أن يدعوا إلى السلام، وهذا هو اس النقد ولا يوجد سبب آخر، وغير منطقي انك ترفض رفيقك الذي قاتلت معه في خندق واحد، أن تشن عليه الهجوم وتكرهه بسبب مقعد في السلطة، ونبا الرفض بين المدنيين ناتج عن الطمع في السلطة “والطمع ودر ما جمع”، ويظهر هذا في جلسات القهاوي والمزارع وهي جلسات لتوزيع الغنائم بينهم، وكان معظمهم ينتمون إلى قوى الحرية والتغيير في وقتها. فكان البعض منهم يقول أن لا يكون هنالك تفاوض اصلاً في السلطة والثروة مع هولاء. “يجو زي ما جو الباقين” وأنما ينبغي أن يأتوا إلى الداخل طالما النظام سقط، كهذا ببساطة دون أدنى قيمة للقضايا التي جعلتهم لفترة طويلة خارج البلاد. كان الشق المدني يتفاوض ليلاً ونهاراً في المناصب مع المجلس العسكري في ذلك الوقت. فالاصوات الرافضة لاتفاقية جوبا، رُفعت منذ ذلك الوقت طمعاً في السلطة حتى تاريخ اليوم.
ما هي دواعي النقد(أ):
من المعلوم أن النقد السياسي لاي تجربة سياسية يكون وفق معطيات موضوعية لقضايا مضمنة في النصوص وهي متفق عليها بين الأطراف وواضعين لها جداول زمنية محددة ومزانيات لأي بند من بنود الإتفاقية، وإذا قرأنا اتفاقية جوبا من أول بند إلى آخره سنجد هذه البنود والآليات المفروض تكوينها لتنفيذ الإتفاقية. قارب البعض الإتفاقية باتفاقيات أخرى مثل اتفاقية نيفاشا. وهذه المقاربة ليست سليمة بسبب ان اتفاقية نيفاشا واتفاقية جوبا وقعت في ظروف مختلفة تماماً، وكانت الحكومة أيضا في اتفاقية نيفاشا قوية من حيث الضامنين لدفع لمستحقات السلام بعد تشكيل الآليات وتوزيع نسب المشاركة في السلطة والثروة.
ومن المهم في مثل هذا النقد أشارك الجميع، الحكومة وأطراف السلام، عبر مفوضية السلام، هل تم الإلتزام بدفع الميزانية من قبل الحكومة وهل تم تنفيذ بند الترتيبات الأمنية وهل تم تشكيل المفوضيات، وهي آليات التنفيذ ..والخ. وهكذا يتم تفنيد الاتفاقية بند، بند.، وفي هذه الوضعية يمكن النظر إلى أو الحكم على الإتفاقية على أساس الفشل أو النجاح.

ماهي دواعي النقد(ب):

دواعي النقد الثانية جاءت بناءً على الهجوم المؤسف الذي شجنه عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني الأستاذ صالح محمود والذي بني خطاب نقدي كان غائب في العلن وكونه قائم على بعد اثني، يستهدف مكونات أهلية بريئة ليس لها أي دور في تكوين حركات الكفاح المسلح ولم تأتي بها. ولقد وظيف هذا الخطاب النقدي المخل من قبل كثير من كتاب الأعمدة الصحفية في الصحف اليومية وفي وسائل التواصل الاجتماعي حتى تاثرت المكونات الأهلية المستهدفة به واستشعرت الخطورة وهددت وجودها بالدولة. وشكل الخطاب عقلية نقدية مبنية على العرق اتجاه قادة حركات الكفاح والمسلح، واضر الخطاب بالاستقرار السياسي والإجتماعية في البلاد في الوقت الذي تحتاج البلاد إلى خطاب سياسي جديد ينشل البلاد من الفترة الماضية. ومن المعروف أن تكوينات الأهليه لقادة الحركات غير مسؤولة عن نشأة الحركات مع ان نشأتها قامت على مجموعات إجتماعية وثقافية معينة، تعرضت لعملية الظلم والاقصاء والتهميش منذ تأسيس الدولة السودانية بداء بجنوب السودان والنيل الأزرق وجبال النوبة ودارفور وشرق السودان وكذلك شمال السودان.

نقد النص ام نقد الأطراف:

ما يظهر الآن من الانتقادات الحالية والدواعي لها لا تشير إلى نقد نص الإتفاقية بكل تأكيد، او نقد التجربة التي لها عامان فقط، منذ التوقيع عليها وتشير كل الدواعي إلى مطامع سلطوية بامتياز، ولاستبعاد الاطراف منها ومكوناتها من المشاركة الفعلية في السلطة والثروة وبالتالي إرجاع البلاد إلى الوراء. وإعادة السودان القديم إلى السلطة، والسودان القديم ليس بالضرورة الذي يعبر عن الإسلام والعروبة كما تم تعريفه وإنما السودان القديم الذي يتخفى خلف شعارات الحداثة والتقدم في مظهره وشكله الهلامي ولكنه في جوهره وبنيته الإجتماعية والراسمالية يعبر عن السودان القديم، اي سودان محتكر لفئة بعينها تمارس التهميش والاقصاء والعنف والاقتتال والحرب والسيطرة الآحادية، واحتكار سلطة وثروة البلاد ومناصب الدولة القيادية.

ما العمل:

لا خيار سوى العمل طبعاً، وجاءت ثورة ديسمبر المجيدة لتجاوب على تساؤلات كثيرة وجمعيها لمخاطبة اشكالات متعلقة بالسودان القديم، وبعد أن كشفت الثورة زيف تنظيمات السودان القديم والتي تدعي الحداثة والتقدم عرت الثورة خطابها وشعاراتها المخادعة والمزيفة والتي كانت تروج لها في صفوف الثوار وتعبر عنها عن ميلاد السودان الجديد وعن قيم السلام والعدل والحرية وتعبر عن دولة العدالة الإجتماعية والتنمية المتوازنة. ولكن يتضح جلياً أن الثورة يجب أن تنتقل إلى مخاطبة عقلية السودان القديم بشكلها القديم والحديث.

لا إتجاه لتوظيف خطاب المظلومية:

اي كان نوعية التجربة اي تجربة الحكم ومدتها في الفترةالإنتقالية، وهذا هكذا لا نرفض المراقبة في أداء الحكومة اوأداء أطراف السلام من هم في المناصب السيادية أو التشريعية أو التنفيذية وينظر لهم دون استثناء لاحد في انتهاج حكم رشيد عبر نظام حوكمة رشيدة وتجنب لأي عملية غير أخلاقية في الأداء. ويساءل في اي اسلوب يقوض الوثيقة الدستورية. هذا يلغي انتهاج أو توظيف خطاب المظلومية، فالكل سواسية أمام القانون في الفترةالإنتقاليةوما بعدها ، نعم هنالك استثناءات وفق الإتفاقية في توزيع نسب المشاركة في المناصب من خلال الخدمة المدنية. ولهم الحق في تقلد المناصب دون أي اعتراض من جماعة السودان القديم، مثلما يتم الآن ضد مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة ووزير المالية وحاكم اقليم دارفور وغيرهم.

محيي الدين جمعة
الجمعة ١٦سبتمر ٢٠٢٢م

تعليقات
Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد