خالد فضل يكتب: أوقد: شعلة في درب الثورة الباسلة

219

المجد والخلود لتلك الأرواح الشفيفة التي تحلّق بطلاقة في رحاب ملكوت الله، تحرّرت من طين الأجساد التي قضت فيها زمناً قصيراً بحسبان جلّ الشهداء/ ات من الشباب والشابات، الصحة والعافية للمصابين والجرحى ومن لحقت بهم إعاقات وعاهات، أولئك النبلاء والنبيلات من بناتنا وأولادنا الجسورات/ ين، الذين قدّموا أرواحهم فداء شعبهم وسالت دماؤهم مهراً للحرية، وتألمت أعضاؤهم ثمناً للكرامة الإنسانية، وما قيمة الحياة بدون حرية وكرامة!

الحرية للمعتقلات/ ين، الذين يواجهون صنوف الإذلال والتعذيب ببطولة، وهم إذ يسدّدون هذه الفاتورة المكلفة خصماً على حريتهم وراحتهم إنما ينشدون وطناً يليق، وقطعاً لا يرومون حظوة أو منصباً دوّار، خسئ من يظن بهولاء الفتية والفتيات الظنون، وأتحدى كل مزايد من المزايدين الذين يطفحون الآن على السطح، أتحداه أن يأتي لنا بواحد من الشهداء أو المصابين أو المعتقلين ويورد حيثيات تشير إلى طمع شخصي أو طلبٍ لوظيفة خاصة، على العكس، الجرائم الممنهجة التي ترتكبها قوات الانقلابين، تستهدف خيرة الشباب/ ات.
ثمّ، لابد مع التصعيد الثوري بآلياته المعهودة والمبتكرة من تصعيد سياسي، لأنّ تكامل وسائل الصعيد مما يعجّل بنهاية هذه الحقبة الكالحة من تاريخ بلادنا، ويزيد من قبضة الخناق على رقاب الانقلابيين، ويدحض كل دعاويهم ودعاوى المزايدين الذين ينعقون في الفضائيات ومنابر المساجد، وتجرأ بعضهم على الخروج إلى الشارع مزايداً باسم الوطنية هذه المرّة؛ بعد أن بطلت دعاوى المزايدة باسم الدين الإسلامي، أبطلتها طائرات شركة العال الإسرائيلية التي تحمل كل حين ركابها من موظفي جهاز الموساد الإسرائيلي، وقد أعجبني ردٌ ساخر لأحد المتداخلين مع صاحب منشور على وسائط التواصل الإجتماعي، سأل صاحب المنشور عن سبب الزيارات المتلاحقة لوفود الموساد للخرطوم في عهد الانقلاب، أجابه أحدهم بسخرية (جاءوا ليطبقوا الشريعة الإسلامية!!)، ألم تلحظ أنّ أئمة السلطان في المساجد لم ينبسوا ببنت شفة حول تلك الزيارات بينما يشرخون حلاقيمهم في ذمّ المتظاهرين الذين يخربون الإنترلوك في الشوارع!!. نعم يبدو أنّ خبراء الموساد حلّوا في ضيافة الانقلابيين ليحضوهم على تطبيق الشريعة، لذلك تجد زياراتهم الترحيب من الأئمة المزايدين باسم الشريعة.
ثمّ أنّي تابعت مجريات إعلان توحيد قوى ثورة ديسمبر، واختصاره (أوقد)، لقد بدت لي تلك الخطوة مهمة للغاية، ولطالما ظلّ من الشواغل لكل مهموم بمسار الثورة السودانية الماجدة أن تتوحّد قواها في جبهة سياسية ثورية، حتى تتمكن من إنجاز مهمة إسقاط الانقلاب، مع توفير البديل الفوري حتى لا يحدث فراغ في السلطة، وهو أمر في غاية الأهمية، هناك جانب موضوعي في التردد تجاه إسقاط الانقلاب بحجة عدم جاهزية البديل، ولكن وحدة قوى الثورة تزيل هذا التردد، كما أنّه يبطل كذلك ذرائع الانقلابيين أو من يؤيدهم.
وغض النظر عن تفاصيل ذلك الإعلان؛ وهو مما يمكن التوافق حوله إن خلصت النوايا، فإنّ الحد الأدنى المطلوب لهذه الوحدة قد توفّر في تلك المبادرة التي جمعت أربع مبادرات، وشرط تكوين هذه الجبهة السياسية الثورية الأساسي هو (رفض الانقلاب)، وهذه فرصة لحصد تأييد أوسع قطاع من المجتمع السوداني، فقد بلغت ثقافة رفض الحكم العسكري حتى بات الأطفال في رياض الأطفال والمدارس الإبتدائية يهتفون في وجه أولياء أمور زملائهم وزميلاتهم من العسكريين إن هم دخلوا إلى فناء المدرسة بالزي العسكري؛ وقد شاهدت مقطع فيديو متداول عبر الوسائط لواقعة كهذه، كما شاهدت مقطعاً آخر لتلميذات مدرسة إبتدائية يردِّدن في أغنية حزينة تتحدث بلسان شهيد يخاطب والدته، وكيف أنّ الطفلات يردِّدن في مقاطع الأغنية وتنهمر من أعينهن البريئة الدموع، هذا جيل جديد دون شك، وهذا وعي أكيد لا يمكن أن تنطلي عليه الأحابيل والحيل والمكر القديم، لهذا فإنّ توحيد قوى الثورة يوفّر حاضنةً سياسيةً واعيةً، وشاملة، ومتفق على خطواتها، ساعتئذٍ لا يجد الانقلابيون منفذاً للهروب إلى الأمام، كما لا يجد المزايدون فرصة لبيع هرائهم العفن لتسميم الأجواء.
قلت غض الطرف عن التفاصيل، ولكنني اعتبر أنّ هذا الإعلان قد أطلق صافرة البداية لأوسع وأصدق تعاهد وطني ديمقراطي في تاريخ السودان، تعاهد وتواثُق يقوم ابتداءً على رفض الحكم العسكري وإن جاء مبرأً من عار سفك الدم الغالي، ناهيك عن انقلاب والغٌ في الدم حتى أذنيه، وفي تقديري أن ما يراهن عليه الانقلابيون ومن شايعهم من أصحاب الضمائر الميتة والمصالح الدنيئة الحية هو تشرذم وتقاطع بل والخصومة بين قوى الثورة، المطلوب الآن من لجان المقاومة؛ القائدة الفعلية والميدانية للحراك الثوري أن تنجز وعلى وجه السرعة والدقة ميثاقها الموحّد، ثم يتم تكامل بين كل المواثيق والمبادرات في وثيقة واحدة يجد فيها كل الثوار على امتداد الوطن ما يطمحون إليه كنتيجة لنضالهم وتضحياتهم الجسيمة، ولعل من بوادر التفاؤل أن الجميع قد وعى الدرس من التجربة القصيرة المريرة السابقة، ومقياس هذا الوعي تحدِّده خطوات الوحدة بين مكونات الثورة بصدق وإخلاص، وبضربة يدٍ موحدة في تعدُّدها يسهل إزاحة الكابوس وبداية التصحيح وإعادة الوطن من براثن الخاطفين من المرتزقة العملاء الخائنين.
التغيير

تعليقات
Loading...

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد